.

667

18 April 2017

  • كيف تكن كاتباً؟

    هاني النجار
    عــدد الزيــــــــارات:
    خدعوك فقالوا: أن الكتابة موهبة فقط، وخدعوك أكثر فقالوا: أنها دراسة، وخدعوك أكثر وأكثر حين لم يخبروك أن الكتابة هي في المقام الأول رغبة، فرغبة الكتابة هي التي تحرك كل شيء، هي التي تستدعي الإلهام والوحي من أقصى مكان. ولكن الرغبة وحدها لا تصنع كاتباً، إذ لابد حتماً أن تتضافر الثلاثة عوامل معاً، فالموهبة هي منحة من الله لم يختص بها أحداً وإنما منحها لكل البشر، والفرق بين الموهوب والموهوم أن الأول أكتشف مكانها وعرف طريقها، والثاني ضل الطريق إليها بداخله.

    والرغبة تتحكم بها الظروف وضغوط الحياة، لكن الظروف خُلقت كي يقهرها الكاتب، إذ أنه لو استسلم للظروف فلن يصل إلى كونه كاتب، من هنا لأبد أن تكتب وتكتب وتكتب، ولا تتوقف عن الكتابة أو تسمح للظروف أن تمنعك عنها، اعتبر الكتابة مثل الطعام والشراب لأن كل حرف تكتبه حتما يرتقي بك درجه مهما بدا لك بسيطاً، فأشجار الغابات السامقة كانت في ذات يوم مجرد بذرة.

    أما الدراسة فهي ما تجعل عملية الكتابة تسير في طريق محدد، مخطط مسبقاً، فلا يمكن تخيل معماري ماهر يشرع في بناء بيت بدون رسم تخطيطي. إن الموهبة والرغبة تجعل الكاتب يتحرك في كل الدروب وبشكل عشوائي فيكتب القصة بطريقة الشعر، والرواية كأنها حكاية ما قبل النوم، والخاطرة باعتبارها قصيدة، والمقال كأنه قصة، هذا لأن لكل فن من فنون الكتابة قواعد وأصول ليس بالضرورة طبعاً الالتزام بها، ولكن معرفتها تمنح الكاتب رؤية أعمق، وقدرة على تحديد مساره بكل دقة، والأهم من ذلك اكتشافه لنفسه وللمجال الذي يبرع فيه أكثر كي يكثف جهوده لبلوغ قمته.
    ومستقبلاً إن شاء الله سنتناول أصول كل فن من فنون الكتابة على حدا، أما الآن فنحن نلقي نظرة شاملة على هذه العملية المعقدة، وكيف يمكنك توحيد جهودك المبعثرة لتأليف كتاب.

     لنقل مثلاً أنك بصدد تأليف ديوان شعر، أو للتبسيط أكثر لنقل إنه كتاب خواطر، هل تعلم لمَ سُميت الخاطرة بهذا الاسم؟ لأنها ليست شعراً له أصول وقواعد، ولكن لأنها دفقة من مشاعر إنسانية (تخطر) على البال، وتجول بالخاطر، تأتي من مكان غريب، ويحركها وحي أغرب، ومصدر إلهامها قد يكون أغرب وأغرب، ربما منظر طفلة تلهو ببالون في الشارع يحرك مشاعرك لتكتب عنها، أو نظره في عيون من تحب، أو مشهد امرأة تنتحب، أو بائع متجول، أو منزل متهدم، أو أي شيء كان. فالواقع أن وحي الخاطر قد يهبط في أماكن بعيدة كل البُعد عن الخاطر ليهبك الخاطرة، وثق أنك إن لم تدونها في لحظتها فسوف تفر منك إلى الأبد.

    وتبقى معضلة القالب الذي يحدد طول هذه الخاطرة، لكنك لن تكون قادراً على تحديد قالب الخاطرة إلا بعدما تكتسب حرفة الكتابة نفسها. فالكتابة هي فعل مبُهم، ليس لأن خالقها مجهول، ولكن لأن خالقها الأصلي مستتر عن الحواس في ملكوت علوي لا ندركه بالحواس، ولكن نعرفه بالقلب والخاطر، فالخالق الأصلي لعملية الكتابة هو الله تعالى، ومثلما لم نره بحقيقة العيان وإنما عرفناه بقلب وخاطر الإيمان، فإن الكتابة تخضع لنفس المقياس.

    واللغة معضلة أخرى، إذ عليك تطويعها كقطعة قماش كي تصنع منها ثوب جميل، ولن تكون قادراً على هذه العملية إلا بعدما تتمكن من اللغة وأسرارها وجمالياتها، وهذا لن يتأتى إلا بكثرة القراءة، لأن الكاتب الجيد، هو في الأصل قارئ جيد، قراءاته الكثيرة منحته القدرة على التفرقة بين الغث والثمين، وبالتالي حين يكتب فإنه يصل إلى مرحلة الإبداع.

    والإبداع صفة من صفات الله تعالى بديع السماوات والأرض، ومعناه خلق شيء لم يكن موجوداً من قبل، فلو كتبت عن "الحب" على سبيل المثال فاكتب ما لم يكتبه غيرك، ولا تظن أن هذا صعباً، فما بداخلك، ما تشعر به ثق أنه لا يتكرر أبداً في خاطر شخص آخر، ولكن قدرتك على شرحه هي حجر الزاوية.

     لنعد إلى موضوعنا، أنت الأن وبالرجوع إلى مثالنا أيضاً تكتب مجموعة من الخواطر المتفرقة، كيف يمكن أن تصبح كتاباً؟ وكيف تنشر هذا الكتاب؟

     الكتاب منذ الفكرة وحتى يصل ليد القارئ بمر بأربع مراحل، الأولى عندك أنت ككاتب، وفيها لابد من قولبة خواطرك كي تصلح لتحتويها دفتي كتاب، والقولبة بمعنى الوحدة، وحدة الدافع والمشاعر والحجم أيضاً، صحيح أن بعض الخواطر قد تأتي في سطر واحد، وبعضها يتعدى الصفحات، ولكن حرفة الكتابة هنا تمنحك القدرة على توحيد الحجم بقدر المستطاع، وكذا عنونة الخاطرة، وهكذا على سبيل المثال ستكتب خمسون خاطرة كل منها صفحتين أو ثلاثة لتصبح كتاباً ما بين مائة وخمسون إلى مائتي صفحة. ولكن قبل أن تبدأ ضع نصب عينيك ثلاثة أسئلة هامة..

    لمَ؟ لمن؟ كيف؟
    لم تكتب؟
    وإياك والإجابة النمطية بأنك تكتب لنفسك، فليس هناك كاتب على وجه الأرض يكتب لنفسه وإلا لَما أصبح كاتباً، فأنت تكتب لأنك تريد أن تكتب، إنها الرغبة، شهوة الكتابة نفسها.
    لمن تكتب؟ ولا تعبث مع نفسك وتقول مرة أخرى بأنك تكتب لنفسك، إذا لو كنت مصراً على ذلك فأنت تضيع وقتك فيما تقرأه الآن، فأنت في الواقع تكتب للناس، لذلك عليك أن تحدد الأثر الذي تريد إحداثه في القارئ، أي مشاعر تريد أن تحركها بداخله انعكاساً لمشاعرك أنت؟
    أما كيف تصل للقارئ؟ كيف تنشر كتابك؟ وما هي باقي مراحل عملية النشر؟ وكيف تحفظ كتابك بحقوق النشر؟ وأنواع هذه الحقوق؟ فهذا هو موضوعنا أصلاً الذي نمهد له بهذا المقال. سنتحدث أيضاً عن أصول وقواعد فنون الكتابة، وكيف تكيف؟ ومقومات هذه العملية كي تصبح ناجحة.

    والخلاصة: اتخذ القرار الآن بأن تصبح كاتباً، وبأن يكون لك كتابك الخاص، وفي أي مجال تجد نفسك فيه فهذه خطوة في غاية الأهمية، أما ما بعدها فهو طريق طويل، اشحذ همتك لنمضي به سوياً..
    وفي المقال القادم إن شاء الله سنتحدث عن إعداد الكتاب للطباعة.